عنيزة.. القلعة والمحطة والجبل 1 و 2 و 3

عنيزة.. القلعة والمحطة والجبل «1-3»



كل مرة يوصلني الطريق الصحراوي إلى مساحة أقف عندها..
وكل مرة أتأمل بقداسة تلك الجغرافية، وأسرح نحو الفضاءات المحيطة بها، وأبقى مستلبا لتفاصيل أحاول أن أقرأها بوعي من لدن الصحراء، وبعين تتماهى مع حدقات صقور تلك الأمكنة. وكنت مع تلك الجولات، والتأملات، أتتبع بوعي، وأحيانا بلا وعي، محطات الطريق الصحراوي، وأنا أسير على تلك الدرب المرهونة للترحال، منذ عصور أقدم من سواد الإسفلت على تعرجات الرمل، وحين أقف عند واحدة من تلك المحطات أحفر في نبض الفلب موعدا منتظرا للعودة إليها، والكتابة عنها، وأمضي بعد أن أسجلها في أجندة الذاكرة، وأنا أهجس بالعودة إليها ذات يوم، كي أتعمق فيها بحثا، كي أهدئ من لهفة الشوق إلى دفاتر وكراريس تاريخها.

التقاطع

هذه المرة، أعود إلى مساحة مررت قربها كثيرا، وها قد تحقق المراد بأن يكون البوح عنها، وحولها، ومنها، ليكون العنوان كأنه مكتوب قبل مسير البحث: ''عنيزة.. القلعة، والجبل، والمحطة''، تلك الملامح الثلاثة التي تميز هذه القرية التي لا بيوت فيها، وهي بموقعها تجاور الطريق الصحراوي، حيث تم تسمية تقاطع مهم قريب منها باسمها، هو تقاطع عنيزة، الذي منه يكون التوجه غربا إلى البتراء، أو المتابعة جنوبا نحو معان والعقبة، وأنا آثرت هذه اللحظة أن أوقف حافلتي عند هذا التقاطع، وأترجل مستمعا إلى بوح المكان عن ذاكرة الحجر والبشر فيه، غير أنني لم أجد أناسا يسكنون هناك، وكان الحضور الطاغي هو لمعالم مهمة من أبنية وحجارة وصخور وحديد وخشب، ويجاور هو التواجد المادي، معمار معنوي عميق في التاريخ والذاكرة التي تؤشر إلى عنيزة.
هنا عنيزه.. لكن لا أحد فيها، ولا حتى تجمع سكاني اجتماعي واحد يمكن أن يدلل على قرية مكتملة في هذا الإطار، والوحيدون الذين كان حديثي سريعا معهم هم القائمون على خدمة محطة القطار في عنيزة، بينما لمحت أبنية لمؤسسات حكومية، وجدت بحكم الضرورة الرسمية، أو الواجب الاقتصادي.

أرض السواد

الآن أبدأ..
وصلت عنيزة، بعد مسير ساعتين بالحافلة من عمان، حيث تجاوزت حدود عدة محافظات هي العاصمة، ومأدبا، والكرك، والطفيلة، إلى أن وصلت قرية الحسينية ضمن محافظة معان، وبعدها قرية الهاشمية ثم توقفت عند تقاطع عنيزة، حيث القرية التي تقع بين الحسينية والمحمدية، وهنا آثرت أن أتتبع المعالم الواضحة في حدود المكان، حيث قلعة عنيزة، وجبل عنيزة، ومحطة قطار عنيزة، وبركة الماء، ليكون البحث ضروريا عن الأحداث المهمة التي مرت بها هذه المنطقة، وكيف تأثرت وأثرت فيها.
وعنيزة هي الأرض المائلة للسواد، وهذه الصفة تنطبق على أرض الواقع حيث أن أرض عنيزة هي أرض سوداء، قاحلة حجارتها، بركانية هشة، أو من النوع الصلب الصغير الأملس، وهناك أكثر من موقع في المحيط العربي يحمل اسم عنيزة، كما أشار إلى ذلك ياقوت الحموي، حيث هناك موقع في الحجاز، وموقع آخر في سوريا، ولكل منها ملامح متشابهة في الإطار الجغرافي، كما أنها ترد أحيانا عند بعض الرحالة والجغرافيين باسم عنزة.
وحتى يكون بحثنا، وبوحنا مكتملا، لا بد من الإفادة من الكتب، والمراجع التي وثقت لهذا المكان، وهنا للأمانة لا بد من ذكر أهم المراجع التي تم العودة إليها، والإفادة منها، لاستكمال بوح قرية عنيزة، وهي الجزء الثاني من مدونة النصوص الجغرافية لمدن الأردن وقراه للباحث المهدي عيد الرواضية، وكتاب القلاع والخانات التركية العثمانية على طريق الحاج الشامية في الديار الأردنية للدكتور عبد القادر محمود الحصان، وكتاب المسارات العسكرية للثورة العربية الكبرى في الأرض الأردنية للدكتور بكر خازر المجالي، وكتاب بلدانيات الأردن في كتب الرحالة والجغرافيين للدكتور أحمد الخطيمي.

الحصارية

وبالعودة إلى تلك المراجع، يمكن رصد ما كتب عند القدماء في رحلاتهم، وكتاباتهم عن عنيزة، حيث أنها وردت عند النابلسي في ''الحقيقة والمجاز في الرحلة إلى بلاد الشام'' حيث قال: (وفي اليوم الثمانين والثلاثمائة وهو اليوم السادس والعشرون من المحرم، فنزلنا في مكان يسمى عنزه ؟بفتح العين المهملة وفتح النون وفتح الزاي في آخره هاء- وهي برية واسعة، ليس فيها ماء ولا بيوت ولا دور. ولم نزل هناك إلى أن صلينا صلاة المغرب، ثم ركبنا وسرنا في ذلك الطريق الكثير الأحجار والأوعار والطلعات والنزلات وأنواع المشقات).
كما ذكرت عنيزة في ''رحلة الخياري/ تحفة الأدباء وسلوة الغرباء'' لإبراهيم بن عبد الرحمن الخياري المدني، الذي قال: (وعندما ضرب مدفع للأعلام بالمسير، فبادر بالتوجه المأمور والأمير وساروا لا يألون جهدا ولا يلوون قصدا، حتى وجب فرض الظهر فأديناه في الطريق جماعة بأول الوقت، ولم نر تأخيرة لساعة، ثم سرنا هنيهة فمررنا بمحل يقال له عنيزة مشتملة على بركة ماء، وبناء يقال له خان عنيزة، ويقال أنه كان بالمحل ماء يرده الحاج، واختلف الناقلون، فقيل كان من الأمطار، وقيل كان من العيون والأنهار، وتمتلئ البركة من ذلك الماء).
أما الجزيري في '' الدرر الفرائد في أخبار الحاج وطريق مكة المعظمة'' فقد أورد وصفة لعنيزة على النحو التالي: ( ثم يرحل الركب من الحسا إلى خان عنيزة، وهو منزلة لا يكاد ينقطع منها البرد شتاء، ولا صيفا، وإذا كانت العربان طيبة الخاطر من الحكام يأتون بالميرة والإقامة للركب من قلعة الشوبك، وكذلك الحصارية( بائعو الحصر)، التي بها يحضرون للبيع والتسبب على الحاج)، وفي موقع آخر هو يورد ذكر عنيزه قائلا: (إلا أنا وجدنا بعد هدايا الكرك، وفواكه بلد الشوبك، التي أرسل منها، وما ترك، فأخذنا ما راق وما راج، ورحلنا منها ولم يضىء لنا من النجوم سراج، وطلبنا عنيزة منزلا، وظننا أن فيها منهلا فقلت:
رحلنا المطايا سائرين إلى الحسا.
وكل غدا مما يعانيه قد كلا.
فكم جمل لم يبق فيه تجمل.
وكم كبش حرب في عنيزة قد ذلا).

بنت شرحبيل

يشير محمد السنوسي إلى عنيزة في ''الرحلة الحجازية'' بما مفاده ما يلي:''ومررنا على قلعة عنزة وأمامها بركة للماء، ولا ماء بها، بناها سليمان باشا على ماء قليل، فآل إلى النضوب، وكان المبيت بعنزة، وفي القاموس: وعنيزة هضبة سوداء ببطن فلج وجارية. قلت: والجارية هي عنيزة بنت شرحبيل عم امرئ القيس بن حجر بن عمرو الكندي أحد أصحاب المعلقات السبع من فحول الشعراء الذين أحرزوا الصيت الأول بين العرب العرباء في الشعر، وامتازت قصائدهم بالتعليق على الكعبة بالذهب على نفيس القماش).
وفي رحلة الشتاء لبن كبريت ورد عن عنيزة التالي: (ثم أتينا على عنيزة، وهناك البرد الشديد، وبه خان قديم). كما تم الإشارة إليها فيما كتبه الرحالة الدمشقي مرتضى بن علي بن علوان، الذي خرج مع الركب الحلبي إلى الحج في ذي القعدة سنة 1120هـ/1708م، حيث مر من الحسا، ومنها بعد صلاة العصر إلى عنيزة (فكان الوصول بعد طلوع الشمس بساعة، ووصفها بأنها دار واسعة وبها خان عظيم، إلا أنه خراب، وبعض جدرانه متساقطة، وأورد البيت التالي: إن البناء إذا تعاظم أمره.

فيه الدليل على عظيم الباني

ومسافة السير خمس عشرة ساعة، وكان الوقود بحطب الشيح، إذ لا نبات في هذا المنزل، ولا في الذي قبله).

المكناسي

ونزل بعنيزة الرحالة السفير ابن عثمان المكناسي في سفارته إلى المشرق سنة 1202هـ/1788م، وسماها عنزة باسم القبيلة، حيث قال: ''وبعد طلوع الشمس بنحو ساعتين، نزلنا على قلعة أمامها بركة ماء مثل البركة المتقدمة، يقال لها عنزة، مسماة باسم قبيلة من العرب، هي في أرضهم فسميت بهم، ولكون هذه القبيلة خفراء لهذه القلعة، وما يوضع فيها، فنزلنا عليها، وشرب الناس، واستقوا، وسقوا إبلهم والدواب وطبخ الناس غذاءهم وعشاءهم. وسافرنا منها في الاصفرار، وعند الفجر صلينا الصبح بقرب الدار، ثم توجهنا إلى الخيام بموضع قريتين يقال له معان).
ومر بها الرحالة أبو القاسم الزياني في رحلته سنة 1206هـ/1791م، قال:(ومنها''يقصد القطرانة'' لعنيزة بركة أخرى في بلاد عنزة، ومنها سبع ساعات إلى عيون معان).
كما أنه مر بها المؤرخ ابن طولون الصالحي في رحلته إلى الحج سنة 920هـ/ 1514م، وقال: ( ثم رحلنا أوائل فجر الغد، فاستقبلتنا ريح شديدة وبعض مطر، فمررنا على خان عنيزة قبل الظهر، فرأيته في أرض فلاة حمراء، بحجارة سود صغار، وهو على يمين الذاهب، وقبله بغرب بركة كبيرة بحجارة، ثم عشينا بأرض فلاة قريب أرض معان، قبيل العصر والريح شديدة).
وربما تكون آخر النصوص المتعلقة بعنيزة هو نص الرحالة التركي سويله مز أوغلي الذي زار المنطقة سنة 1307هـ/1890م، ولكن نرجئ ذكر تفاصيله إلى حين البوح حول تفاصيل قلعة عنيزة لأن فيه استرسالا في الجانب الذي يخص هذا المكان في عنيزة.


سيرة قرية

عنيــزة


تقع قرية عنيزة في جنوب الأردن، وهي من قرى لواء الحسينية من محافظة معان، تقع على خط الطول 35 درجة و8,4 ثانية شرقا، ودائرة العرض 30 درجة و30 ثانية شمالا، وهي على بعد 45كم إلى الجنوب من الحسا، وعلى مسافة 163كم من عمان العاصمة، على الطريق الصحراوي جنوبا.
ترتفع عن مستوى سطح البحر 1000م، وهي منطقة خالية من السكان، وأهم المعالم الموجودة فيها هي قلعة عنيزة، ومحطة قطار عنيزة، والبركة، وجبل عنيزة.



عنيزة.. القلعة والمحطة والجبل «2-3»



ما زلنا في الجنوب...
هناك حيث أسرنا ثراء حضور الذاكرة، والتاريخ، والبوح المتجدد لواحدة من تلك القرى الراسخة على الضفاف الرملية للطريق الصحراوي..
ما زلنا هناك، حيث فضاء المكان في عنيزة يردد صدى قصيدة دليل المجتاز بأرض الحجاز التي كتبها بدر الدين ابن حبيب الحلبي، وفيها يقول:

حثوا المطى للسرى فيمموا
عنيزة وفي ذراها خيموا
كم حل من بشر على إنسان
مذ فار ماء العرب للجرداني
من بعدها كان المحط في معان
وطالب الخير من الله بمعان

حديث الرحالة التركي

وبعد هذا التقديم وجدا ووجدانا وشعرا، يكون الوقوف عند قلعة عنيزة، والبدء بتذكر ما كان كتبه الرحالة التركي سويله مز أوغلي حيث قال: وبعد أن سرنا ثمانية كيلو مترات من ساعتين داخل هذا السهل وصلنا إلى قلعة العنيزة الواقعة على جوار التل المسمى ظهر العنيزة. وهذا التل حجري أسود ارتفاعه 90-100م، ومحيطه 5-6كم. والمسافة من قلعة الحسا إلى هنا يبلغ 11 ساعة/77كم. وكان وصولنا إلى العنيزة في الساعة الثامنة وعشر دقائق من يوم الاثنين، 4 حزيران.
وتبدو القلعة من الخارج منتظمة، وهي في الواقع أمتن وأحكم بناء من قلعتي قطرانة والحسا، إلا أنها متهدمة من الداخل، وذلك لتركها وعدم الإقامة فيها، كما أن باب القلعة قد سرق من قبل الأهالي. وعندما بدت القلعة لي، توجهت نحوها راكبا لمشاهدتها. ولكن ناداني أحدهم من الخلف قائلا: سيدي! لا تذهبوا إلى هناك، فقد غلبت الثعابين عليها، ولهذا فقد تم تركها. وقد فهمت أن الغاية من هذا هي عدولي عن الذهاب لكيلا أطلع على وضع القلعة. ولكي أثبت أنني لست من ينخدع بمثل هذه الأساطير، فقد واصلت السير، ووصلت باب القلعة وترجلت. واعتذر الدركي الذي كان يرافقني عن الدخول فيها. ووافقت على هذا، ودخلت فيها، وصعدت إلى أعلاها، ولم أجد فيها أي ثعبان، بل لم يتعلق بنظري حتى وزغة صغيرة.

حوض الماء

ويكمل الرحالة أوغلي تدوينه لتلك الزيارة بأنه وفي الطابق الثاني، وعلى بوابة القلعة دخلت غرفة اسودت قبتها من الدخان، وقمت بتدوين اسمي وتاريخ وصولي إليها بالسكين. وعندما رأى الدركي تأخري داخل القلعة بهذه المدة دون أن يحدث أي شيء تجرأ فدخل إلى الداخل وقال: أنتم محقون في أن الكلام عن وجود الثعابين هنا هو محض خيال. ثم تركنا القلعة معا.
وعلى بعد 200م من القلعة شاهدت حوضا طوله 20م وعمقه 8م، وقد تهدم شكل كبير، وعلى الرغم من وجود الماء فيه وبعمق 5,1م، إلا أن قسما منه امتزج مع الطين. وقضينا الليل في هذا المكان. وكانت تهب رياح شديدة، ولهذا فقد استوجب شد حبال الخيام أكثر.
وفي الساعة الرابعة، وبعد أن قطعنا مسافة 28كم في 7 ساعات، عبرنا وادي السوادين، كما اجتزنا تلا ارتفاعه 30م، ثم نزلنا وادي معان. وبعد ثلاثة أرباع الساعة وصلنا معان.

حجر وطين

وعن هذه القلعة يشير الدكتور بكر خازر المجالي في كتابه المسارات العسكرية للثورة العربية الكبرى في الأرض الأردنية، بقوله أنه يسند عنيزة (المقصود هنا محطة قطار عنيزة) من الجهة الغربية، وعلى بعد حوالي 300 متر قلعة عنيزة، يعود تاريخ بنائها إلى 1587م، وهي من طابقين، بمدخل واحد من الجهة الشرقية، بناؤها من الحجر الأسود والطين، مربعة الشكل(22م*22م) تقريبا، يمكنها استيعاب 100 جندي، وإلى الغرب من هذه القلعة يوجد جبل عنيزة.

هداية القوافل

أما الذي استرسل في بحثه حول قلعة عنيزة، وقد يعتبر ما كتبه هو أحدث ما نشر عن هذا الموقع، فهو ما ذكره الدكتور عبد القادر محمود الحصان في كتابه القلاع والخانات التركية العثمانية على طريق الحاج الشامية في الديار الأردنية، الصادر عام 2008م، وسنقتطف أجزاء من كتابته لنسلط الضوء على جوانب من عنيزة من خلال ما كتبه عن قلعة عنيزة التي يحددها بقوله تقع هذه القلعة الكبيرة الهامة على بعد 163كم إلى الجنوب من عمان، على الطريق الصحراوي الواصل إلى العقبة عبر معان، وبمحاذاة الطريق القديم الممتد من الشمال إلى الجنوب وبموازاة سكة الحديد الحجازية الأردنية، وترتفع المنطقة عن مستوى البحر 1000م، وتقع القلعة على مقربة من محطة سكة حديد الحجاز (محطة عنيزة)، وعلى بعد 400م إلى الشرق منها. وهذه القلعة تقع ضمن المنطقة البازلتية السوداء شبه الصحراوية وتبعد 300م من وادي صوفان الذي يجري نحو الشرق باتجاه واحة الجفر، وعلى مقربة من القلعة في الجهة الغربية يقع جبل عنيزة العالي الشاهق الذي يرتفع عن مستوى سطح البحر 1244م، والمطل على المنطقة جميعا والذي كان يستخدم في القدم للمراقبة والمتابعة وهداية القوافل بالمشاعل والدخان.

العصر المملوكي

ويضيف الدكتور الحصان في سياق ذات البحث أنه من خلال استقراء الكتب التاريخية ومذكرات الرحالة، يتضح لنا أن القلعة كانت مشيدة في العصر المملوكي، زد على ذلك ما عثرت عليه من لقى مادية أثناء دراسة الموقع، وخاصة الكسر الفخارية ومسكوكتين تعود للعصر المملوكي-القرن الرابع عشر الميلادي- على جانب حفرة أحدثها باحثي الكنوز المزعومة غرب القلعة بمحاذاة جدارها مباشرة.
وبعد ذلك يعطي الباحث وصفا للقلعة حيث يقول في هذا الجانب : تتخذ القلعة شكلا قريبا من المربع، إذ تبلغ قياساتها 28 مترا من الشرق إلى الغرب، و 28 مترا و 85سم من الشمال إلى الجنوب، كما يبلغ أعلى ارتفاع لجدرانها القائمة 25,8 مترا فوق مستوى سطح الأرض، وهي مشيدة بواسطة الحجارة البازلتية السوداء والكلسية البيضاء، وفي معظمها غير مشذب جيدا، هذا وقد خلعت معظم حجارتها وخاصة تلك الموجودة في المدخل لاستخدامها في الأبنية المتعددة وعلى رأسها مبنى سكة الحديد القريب منها مما أدى إلى ترك المدخل في حالة يرثى لها.

استحكامات دفاعية

ويكمل أيضا بأنه تقع البوابة الرئيسية في الجهة الشرقية من الجدار الرئيس الخارجي للقلعة في الطرف الشمالي منه أي أن البوابة لا تقع في منتصفه. ويرتفع فوق المدخل الرئيس قوس نصف برميلي مزدوج فوق بعضهما البعض، وتؤدي بنا البوابة إلى ممر مسقوف بذلك العقد البرميلي المشيد والمكحل بالملاط بطول 90,4م، وينتهي في طرفه الغربي إلى ساحة سماوية مركزية مفتوحة مربعة الشكل بطول ضلع مقداره 50,17م، ويحيط بالساحة المركزية تلك من جميع الجهات في الطابق الأرضي ثمانية عشر غرفة مختلفة الأحجام وتفتح على الساحة عبر بوابات تعلوها حنوت عتبات تتكون في معظمها من عوارض خشبية أو قضبان حديدية نقلت من سكة الحديد لإعادة استخدامها هنا. ويلاحظ أن جدران القلعة الأربعة قد تعرضت للتدمير والهدم بشكل شبه كامل كما أسلفت، رغم أن بعضها لا يزال قائما. ويظهر لنا الطابق الثاني وسطحه الموجود على جدرانه الخارجية مسننات كانت تستخدم على هيئة طلاقات واستحكامات دفاعية وخاصة تلك الموجودة في الجهات الشمالية والجنوبية والغربية وهي بقياس 75,2م أما الشرقية منها فهي أصغر وبقياس 70سم. ويلاحظ بأنها على شكل قمعي. وهي بطبيعة الحال تذكر بالشرفات المدرجة، ويخترق الجدران من الخارج مجموعة من النوافذ (الطلاقات) الضيقة، وهي عبارة عن نوافذ مستوية وعلى شكل فجوات في جدران البناء الحجري.
في واجهة الجدار الجنوبي الخارجية تظهر لنا نافذة تبرز عن سماكة الجدار الخارجي بمقدار 15سم، وبعرض 75سم، وبارتفاع متر واحد، وعلى الأرجح أن تكون عبارة عن (سقاطة) دفاعية، كانت تستخدم لصد أي هجوم خارجي للقلعة.

الطابق الثاني

وبعد ذلك يعرج الدكتور الحصان في وصفه للقلعة على تفاصيل بقايا الجدران الأربعة الموجودة غرب القلعة، والتي ما زالت قائمة بارتفاع 80سم، ومستخدم فيها نفس الحجارة والمواد المستخدمة في بناء القلعة مما يؤكد أنها بقايا البركة المذكورة في المراجع التاريخية. ويستمر الوصف المعماري لمدخل القلعة الرئيس، ثم وصف القلعة من الداخل ، حيث يعطي تصورا لمداخل القلعة، وممراتها، وغرفها، معمارها، وموقع حوض الماء فيها، ثم ينتقل إلى وصف الطابق الثاني من القلعة الذي يصعد إليه من خلال بيت الدرج الموجود بمحاذاة القبو البرميلي الموصول مع البوابة الرئيسة من جهة الجنوب الأيسر، ويطل على الساحة من جهة الشرق، ويصعد من خلاله على ثلاثة عشر درجة للأعلى للوصول إلى بقايا منصة كانت لها قبو برميلي صغير بعرض 210سم. ويوضح في وصفه هنا بأنه سوى القبو نصف البرميلي الذي يعلو البوابة والممر الرئيس لا يوجد أي أثر للطابق الثاني، وهذا العقد نصف البرميلي يبلغ طوله 340سم من الشرق إلى الغرب، و290سم من الشمال إلى الجنوب، بارتفاع 230سم، ويلاحظ أن جدرانه مقصورة بالملاط الأبيض، ونلاحظ الجدران الخارجية للقلعة واضحة وبداخلها النوافذ (الطلاقات)، وعددها اثني عشر نافذة، اثنتان من الجانب الغربي وثلاث من الجهة الجنوبية واثنتان من الجهة الشرقية وخمس من الجانب الشمالي. ويلاحظ على الجدران المتبقية آثار بقايا سقف الطابق الثاني وفوقه مباشرة الاستحكامات العسكرية العلوية المحيطة بالقلعة من الجهات الأربع كما هو الأمر في باقي المواقع على شكل قباب صغيرة قمعية الشكل (شرفات مدرجة).
ويكون الختام في بحث الدكتور عبد القادر الحصان حول قلعة عنيزة بإشارته بأن الجدار الغربي من الجهة الخارجية للقلعة والذي يظهر من خلال وسطه وجود أربعة مداميك بامتداد تسعة أمتار تعود في جذورها الأولى إلى عهد أقدم من البناء العثماني الحالي، وعلى الأرجح أنها ذات جذور مملوكية تعود للقرن الرابع عشر الميلادي لاختلاف حجم الحجارة المستخدمة وطريقة البناء أيضا.

سيرة القرية

عنيــــــــــــــــــزة

تقع قرية عنيزة في جنوب الأردن، وهي من قرى لواء الحسينية من محافظة معان، تقع على خط الطول 35 درجة و8ر4 ثانية شرقا، ودائرة العرض 30 درجة و30 ثانية شمالا، وهي على بعد 45كم إلى الجنوب من الحسا، وعلى مسافة 163كم من عمان العاصمة، على الطريق الصحراوي جنوبا.
ترتفع عن مستوى سطح البحر 1000م، وهي منطقة خالية من السكان، وأهم المعالم الموجودة فيها هي قلعة عنيزة، ومحطة قطار عنيزة، والبركة، وجبل عنيزة.



عنيزة.. القلعة والمحطة والجبل «3-3»



كتابة وتصوير مفلح العدوان
وحيدا كنت هناك..
أوشكت أن أترك ورائي القلعة، وبوابتها، وأمضي إلى غير مكان، بعيدا عن عنيزة، إلا أن التفاتة مني نحو الجبل القابع غرب القلعة جعلتني أنتظر قليلا، وأتأمل مهابته، مستمعا إلى بوح يريد أن يسر به إلي..
قلت أنتظر قليلا، وكانت لحظات صمت، فهمت منها أن الجبل كان شاهدا على كثير من الأحداث التي كانت ساحتها أمام عينيه على مر العصور الماضية.
وحيدا كنت هناك..
وكانت تحديقة الجبل تدفعني باتجاه المضي إلى محطة القطار التي لا يفصلها عنه، وعن موقع القلعة إلا الطريق الصحراوي، ففهمت الرسالة، ويممت شطر المحطة، لأستمع منها شهادة أخرى على ذاكرة المكان، والحكايات والتفاصيل التي سكنت فيها، وهذا ما كان، إذ أن المحطة لم تستقبلني كأي عابر سبيل، بل هشت نحوي، وكأنها تنتظرني منذ زمن بعيد، وكانت حيرتها في استقبالي؛ مرة بصمت أبنيتها، ومرة بضجيج الذاكرة المزدحمة فيها، فعزمت النية على أن أستوعب كل ما قد أواجهه في محطة عنيزة التي هي واحدة من محطات سكة حديد الحجاز.

السيرة الحديدية

ها أنا وحيدا هناك
وأسمع رجع صدى سنابك، بلا خيل..وليس إلا نشيج الصافرة، وحزن ارتداد الضجيج .. هنا كان الحديد يخاطب الحديد، يحاوره، يحادثه، يبوح بأبجديته التي نحتها من صرير العجلات، وهي تمارس فعل اجتياحها اليومي للسكة، حيث تتمرغ بها، وتنساب معها، ثم تتوحد وإياها جسدا لا يقبل انفصاما، بل يزيد بأن يتمادى قربا، ووجدا، والتحاما، كأنه يعيد ذاكرة اليوم الأول، كأنه يفتح ألبوم الصور العتيقة، أو أنه يتصفح كتاب السيرة الحديدية، حين ذاب البشر، عشقا، وهم يطوعون إرادتهم، عن طيب خاطر، لاظمين بنبض حلمهم الحروفية البكر للتوق الذي حلق بأجنحة الرغبة، والقداسة، فتجسد لهاثا، وترابا، وصوانا، ومجاميع نابضة، وأخاديد أعمار على جبهات الناس، وعرق، وأغبرة، وجبالا تسوى، وسهولا تنشق، وغابات تتبرع بأشجارها، وآلاف الأمتار التي تطوى على هيئة مدرج واحد يسير عليه القطار، قبل أن يصل إلى محطة عنيزة التي تقع على الكيلو 423 في الخط الحجازي، وهي تعد من أقوى المحطات من الناحية العسكرية نظرا لاستنادها على قلعة قوية إلى الغرب منها على مسافة 250م، والى الغرب من القلعة جبل عنيزة ذو القمم العشرين المتفرقة والتي حفر فيها الأتراك خنادق اتصال قوية، وأقاموا مرابض رشاشات ومدفعية ومعسكرا في قلب الجبل وبين الشعاب المؤدية للقمم . هذا الاقتباس أستعيره، وأنا أواجه المحطة، من الكتاب المهم الذي ألفه الدكتور بكر خازر المجالي حول المسارات العسكرية للثورة العربية الكبرى في الأرض الأردنية ، ونظرا لارتباط سكة الحديد الحجازي، ومحطاته، بأحداث ومعارك الثورة في الأردن، سيكون البوح بالنسبة للمحطة، هو حديث مواز عن تلك البطولات والمعارك التي دارت حولها، وفي إطارها.

طريق الحج

يكمل الدكتور بكر خازر المجالي حول المحطة بقوله عنيزة محطة من محطات الصنف الثالث على سكة الحديد، لكنها بالواقع تصنف ضمن المراتب الأولى من حيث التنظيم والتحصين العسكري.. وعنيزة المحطة على طريق الحج الشامي لا زالت عاملة ليومنا هذا خدمة لقطارات الفوسفات، وهي تضم بنايتين منفصلتين من الطين والحجارة وبجانبها بركة ماء محاذية تماما للمحطة بعرض 15*15م تقريبا، وتعتمد على جمع مياه الأمطار، أو إفراغ صهاريج مياه تجرها القطارات لتبقى بركة المياه مملوءة كاحتياط عام وقت الحاجة، ولا زالت آثار السياج والتحصينات حول المحطة موجودة لمنع اقتراب المشاة المتسللين إليها .
وبالفعل فقد كان هذا الوصف هو على أرض الواقع حين كانت الزيارة للمحطة التي كان يوجد فيها بعض العمال، وأفادوا بأن المحطة هي تابعة الآن لسكة حديد العقبة، وهي مستأجرة من سكة الحديد الحجازي، وكانت بعض السكك الحديدية مكتوب عليها سنة الصنع بعضها 1903م وبعضها 1901م، ومنها ما هو مهمل، وهناك قاطرة بجانب المدخل، وبعض الأبنية القديمة كانت بيوت للعمال والموظفين في السكة، كما أن البركة ما زالت موجودة، وفي الزاوية القريبة من الطريق الصحراوي هناك عدة درجات تفضي إلى داخل البركة.

تحصينات قوية

ولكون هذه المحطة كان حضورها استراتيجيا وعسكريا في مرحلة سابقة، أيام العثمانيين، والثورة العربية الكبرى، كما أن هذا الحضور يعزز من القيمة العسكرية للموقع بشكل عام خاصة جبل عنيزة الذي استفاض الدكتور بكر المجالي في وصفه، بحيث أنه وثق كل ما فيه من مواقع على أرض الواقع، ومن خلال البحث الميداني، حيث رصد كشفا بالمواقع داخل الجبل وحوله، حيث أوضح بأنه تقع فيها خنادق الاتصال، ومواقع المدفعية، ومواقع التخييم، ومصدر المياه، ومرابض الخيل، والخنادق الفردية، والمنطقة الإدارية، وبعد ذلك يجيب على تساؤل مهم حول عنيزة، وحضورها كموقع عسكري مهم، وصمودها بيد الاتراك، وكيف أن كثيرا من العمليات الموجهة ضدها فشلت، كما أنه لم يخلها الأتراك إلا بعد انسحابهم من معان، وهذا يعود، بحسب الدكتور المجالي، الى قوة التحصينات التركية فيها، وتجنب العرب التعامل مع الحصون القوية لأنها تلحق الخسائر الكبيرة بهم، إضافة الى أن القوات غير النظامية ومن التجارب العديدة تحجم عن القيام بأي عمل عسكري ضد مواقع محصنة .

محاولة طريفة

والنقطة الأخرى في أنه لم يخل الأتراك المحطة الا في فترة متأخرة هي أنه قد أعطى العرب الأولوية الأولى ضد معان ومحطة الجردون، خاصة خلال ربيع عام 1918م، ولم تتوجه أية قوات كبيرة تستهدف احتلال عنيزة الا تلك المحاولة الطريفة والتي انتهت بمفاجأة مضحكة فعلا حين تقدمت القوات العربية ليلا، وبحركة سرية باتجاه جبل عنيزة، ولكن ما إن اقتربت القوات من الجبل حتى أخذ أحد الحمير الذي يحمل فناطيس الماء بالنهيق وتبعه بقية الحمير، فانتبه الأتراك في الجبل للهجوم، فوجهوا رشاشاتهم ومدفعيتهم وأسلحتهم لاتجاه الهجوم، مما اضطرها للتراجع وإلغاء العملية، وقد كتب جعفر العسكري عن هذه العملية في مجلة عسكرية عراقية وهي المرجع الوحيد الذي يتحدث عن هذه العملية .

الأمير زيد بن الحسين

ويشير كتاب المسارات العسكرية للثورة العربية الكبرى في الأرض الأردنية أيضا الى أن منطقة عنيزة كانت في أيام الثورة العربية الكبرى ضمن اهتمام الأمير زيد بن الحسين، فقد ركزت القوات العربية على خط عنيزة الشوبك واستطاع العرب الحصول على موطئ قدم في المنطقة بدليل ما ورد في رسالة من الأمير زيد الى الأمير فيصل في 22/1/1918م يقول فيها: .. وحسب الإخباريات الواردة تثبت في موقع الحديد الممدود بين الشوبك وعنيزة.. ، وخربة الدوشك، وهي في منتصف المسافة بين الشوبك وعنيزة على مساحة 17كم تقريبا، وقد نفذ العرب عدة عمليات تخريب وتدمير للسكة الحديدية شمال عنيزة وجنوبها، إضافة الى الاشتباك مع الأتراك في مواقع عديدة حولها .
ويذكر العماد مصطفى طلاس في كتابه الثورة العربية الكبرى، حول العمليات العسكرية ضد عنيزة بأنه (تولى الأمير زيد قيادة القوات التي أخذت على عاتقها الاستيلاء على المحطات الواقعة الى الشمال من معان، من أجل منع وصول التعزيزات الى حاميتها، وقامت قواته بهجمات عديدة على محطات الجردونة وعنيزة وجرف الدراويش والحسا وفريفرة والقطرانة..).
كما أن الدكتور بكر خازر المجالي يشير الى أنه في رسالة من جعفر العسكري الى الأمير زيد مؤرخة في 17 شباط 1918م ورد فيها: (.. من الوهيدة يهاجم مولود (مخلص) مع مدفعية صحراء وأربعة أرهاط من المشاة والمواليد والحجزة على معان وقوة الهيشة مع الشريف عبد المعين على عنيزة، ولكن هذا سيكون للاشغال، ونلاحظ أن هجوم عنيزه هدفه (الاشغال) أي مشاغلة العدو دون الدخول باشتباك حاسم يهدف الى احتلال المحطة أو القلعة).

ما زالت الذاكرة

تلك بعض جوانب بوح عنيزة، أستحضرها وأنا أقف أمام المحطة، وعلى مرمى التفاتة مني القلعة وجبل عنيزة، ويبقى صدى عجلات القطار تتداخل في ذهني مع أصوات الجنود، والمعارك التي وقعت قريبا من هذا المكان، كل ما حدث هنا كان واقعا نتذكره الآن، لكنه جسد نهضة وثورة امتدت لتكون راية نصر نشرت ظلالها على كل الأرض العربية، وما زالت.


عنيزة

تقع قرية عنيزة في جنوب الأردن، وهي من قرى لواء الحسينية من محافظة معان، تقع على خط الطول 35 درجة و8,4 ثانية شرقا، ودائرة العرض 30 درجة و30 ثانية شمالا، وهي على بعد 45كم إلى الجنوب من الحسا، وعلى مسافة 163كم من عمان العاصمة، على الطريق الصحراوي جنوبا.
ترتفع عن مستوى سطح البحر 1000م، وهي منطقة خالية من السكان، وأهم المعالم الموجودة فيها هي قلعة عنيزة، ومحطة قطار عنيزة، والبركة، وجبل عنيزة.

هذه الصفحة تؤسس لكتابة متكاملة حول القرى الأردنية، وتطمح لتأسيس موسوعة جادة شاملة. ولن يتأتى هذا بجهد من طرف واحد، فما يكتب قد يحتاج إلى معلومات للإكتمال، أو قصص أخرى لم يلتقطها الكاتب في زيارة واحدة، وهي مفتوحة للإضافة والتعديل قبل أن ترتسم بشكلها النهائي لتكون وثيقة لكل قرية، والأمل بأن تأتي أية إضافات أو تصويبات أو معلومات أخرى من أهل القرى والمهتمين مع اقتراحاتهم، وعلى هذا العنوان:
محاذاة إلى الوسط
بوح القرى
ص. ب - 6710 - عمان -11118 - فاكس- 5600814

تعليقات